محافظ البنك المركزي التونسي يوضح خارطة الطريق لتحرير الدينار التونسي




















انتظمت يوم الاثنين 24 ديسمبر ندوة صحفية بمقر البنك المركزي أشرف عليها السيد
توفيق بكار محافظ البنك المركزي أبرز من خلالها تمشي البنك المركزي لتجسيم
النقطة السابعة لبرنامج "تونس الغد" وقد أوضح أن البنك المركزي يسعى إلى قطع خطوات جديدة والمرور إلى مرحلة متقدمة من التحرير المالي وهي التي تميزت بها السنوات الأخيرة بدفعات متتالية من الإجراءات تمت في نوفمبر 2004 ونوفمبر 2006، هذه الأخيرة، فتحت أبواب مراحل تمتد من 2007 إلى 2009 تندرج في إطار تعميق سوق الصرف لمزيد إدماج القطاع البنكي في السوق المالية العالمية. والسؤال الذي طرحناه بهذه المناسبة هو كيف ستواجه إدارة البنك المركزي الجو المصرفي العالمي المتقلب وكيف ستحمي القطاع المصرفي التونسي من مخاطر جرائم غسيل الأموال؟

مع تعجيل عملية العولمة التي أصبحت خطواتها سريعة وعميقة يوما بعد يوم، تشهد الدول النامية التي تواجه تغيرات وتحديات ومتطلبات تطورا أيضا، وتشهد الدول النامية اكبر انفصالا، كما تشهد باستمرار عدم التوازن والتفاوت والتنافسية، وتزداد مكانة الدول النامية بروزا، بالرغم من أنها لا تزال تواجه الصعوبات والتحديات إلا أن بعضها من المحتمل أن تحقق تطورا جديدا إذا جابهت ذلك مجابهة مناسبة واستفادت من العوامل المواتية بجد واجتهاد ... والمهم لنا هو أن نأخذ بحذر دروسا نستفيد من الذين سبقنا في هذا المجال. لكن كيف سيتعلم التلميذ إذا الأستاذ نفسه يعاني من أزمات متتالية حيث اشتدت منذ ثلاث أسابيع حدة السيولة العالمية، ومازالت الأزمة في اتساع، وهو ما يشير إلى انعدام الثقة بين بنوك الولايات المتحدة وبنوك المملكة المتحدة والأوروبية ولم تتردد البنوك المركزية لهذه البلدان في ضخ عشرات المليارات من الدولارات في كبار المؤسسات المالية الدولية؟

زمن العولمة لا رجعة فيه

إن العولمة تفيد كل بلد يستغل ميزاته الاستراتيجية. فبلادنا تحضي بوجود عدد كبير من الجامعات، وسوق استهلاكية محلية حرة ومتطورة، وجامعات البحث التكنولوجي والطبي والعلمي، وأسواق المال التي تقدم التمويل للشركات بجميع أنواعها، ومستوى من الحرية والفرص والتنوع والأمن... كما أن البلدان التي تتيح المجال وتعطي الفرص، بشكل عادل، للانطلاق إلى حدود جديدة باحترام قوانين المنافسة هي التي ستكون الفائزة في الاقتصاد العالمي الجديد وهو ما أكد عليه اقتصاديونا في أكثر من مناسبة. لقد تغيرت الأزمنة والبلدان التي تهرب من العولمة في القرن 21 ستدفع ثمنا كبيرا على مدى عقود مقبلة.
وضمن هذا الإطار جاء الإصلاح التشريعي والتنظيمي الذي يتمثل في تعديل تشريعاتها وقوانينها وإنشاء جهات رقابية تعمل على تنظيم الأسواق والارتقاء بالأطر التشريعية والتنظيمية فيها وفق أحدث المعايير الدولية بما يعزز حماية المستثمرين فيها ويحد من المخاطر ويحقق العدالة والكفاءة والشفافية. كما تم إنشاء بورصة الأوراق المالية.
وعلى الرغم من التقدم والإنجاز الواضح، إلا انه يتوجب علينا ان نكون صريحين بأنه لا زال أمامنا الكثير من العمل الذي يجب إنجازه. ويمكن أن نقترح للساهرين على التفكير في:
أولاً: المزيد من العمل على تطوير وتحديث الأطر التشريعية، فالتشريعات كما تمت الإشارة إليه لا تزال، في كثير من الأحيان، بعيدة عن مواكبة التطورات التشريعية على المستوى الدولي والمعايير الدولية.
ثانياً: تعزيز أدوات الرقابة، من حيث منح الجهات الرقابية صلاحيات رقابية واسعة وتعزيز استقلاليتها لتمكينها من تحقيق أهدافها ولتجنب جرائم غسيل الأموال.
ثالثاً: توفير الخدمات المالية الضرورية والارتقاء بمستوى الخدمات المالية المقدمة.
رابعاً: تدريب الكوادر العاملة في مؤسسات السوق وشركات الخدمات المالية.
خامساً: تعزيز الوعي لدى الجمهور، حيث ان الوعي الاستثماري في مجتمعنا لا يزال بحاجة إلى جهد اكبر.
سادساً: تعزيز الإفصاح والشفافية، من خلال تبني المعايير والأطر التشريعية التي تؤدي إلى توفير المعلومات المهمة للمستثمرين.
سابعاً: إيجاد المؤسسات والأدوات المساندة كمؤسسات الحفظ والإيداع المركزي والتسوية والتقاص وصناديق الاستثمار.
ثامناً: ضرورة العمل على تحقيق الانسجام والتوافق بين التشريعات والإجراءات الفنية المطبقة.
تاسعاً: إزالة العقبات والقيود أمام الاستثمار بشكل عام.

تحرير تدريجي للدينار

ولقد تحدث السيد توفيق بكار محافظ البنك المركزي أن تونس ضمنت شرعية الصفقات المصرفية العالمية بإرساء نظام تحرري متدرج، وقال للحضور أن التونسي بلغ من النضج ما يكفي انه لم يعد يغادر الوطن لاقتناء بضائع خارجية وأصبح يقتني ما يلزمه من تونس سلع أجنبية تدخل السوق بكل شرعية بالدينار التونسي.

ماذا عن جرائم غسيل الأموال؟
وفيما يتعلق بظاهرة غسيل الأموال أو تيسير عملية إيداع الأموال القذرة في نظام مصرفي شرعي، وهي تعتبر من أخطر جرائم العصر الاقتصاد الرقمي الحديث وتخلق هذه الأموال من ثروات غير مشروعة كتجارة المخدرات وأنشطة الفساد المالي وتهريب الأسلحة وثمرة التجارة الموازية... وتحتاج هذه الأموال للتبييض حتى تكون محلا لغسيل ويتمكن أصحابها التنعم بها. وبما أن البنوك مخزن المال، فإنه طبيعي أن تتوجه أنشطة غاسلي الأموال إلى البنوك على أمل سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الأموال القذرة صفة المشروعية. ويرجع دور البنوك في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل الالكتروني وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة... وتحتاج البنوك لمعرفة معمقة وشاملة بشأن الآليات التي تتبع لغسيل الأموال مع الإدراك أنها معقدة تولد عن معرفة معمقة لصاحبها بالعمل المصرفي. ويمنك تلخيص مراحلها كالتالي:
المرحلة الأولى: إدخال المال في النظام المالي القانوني
المرحلة الثانية: تبادل المال ضمن النظام المالي الذي تم إدخاله فيه
المرحلة الثالثة: دمج المال نهائيا بالأموال المشروعة لضمان إخفاء المصدر القذر
ونحتاج في هذا الصدد على الاهتمام على الصفقات المالية التي تبرمها الشركات الوهمية والشركات الأجنبية الغير المقيمة... بالتأكد من صحة وجود الشخص المعنوي مع أن تتطلع المؤسسة المصرفية على سياسة عمل الزبون ونشاطه وليس معرفة شخصه فحسب. كما يوجب أخذ الحذر من أنشطة الزبون التي لا تتلاءم مع نشاطه الاعتيادي إذا غير نشاطه بصفة مفاجئة. كما لا بد من إخضاع الموظفين المصرفيين إلى برامج تدريبية تحليلية تتناول تحليلا معمقا لحالات تتصل بجرائم غسيل الأموال وأخذ بعين الاعتبار حالات واقعية أو افتراضية يمتحن بها قدراتهم على التحليل والتأكد من مدى حصول نشاط غير مشروع.

العفو عن جرائم مالية

لتنظيف السوق المالية من الأموال مجهولة المصدر قامت إدارة البنك المركزي بالإعفاء عن الذين:
لم يصرحوا على مكاسبهم بالخارج
لم يعيدوا إلى أرض الوطن المحاصيل والمكاسب من العملات
يمسكوا أوراقا نقدية أجنبية بالبلاد التونسية دون التصريح عليها لدى وسيط قانونيوأعطت فرصة عفو لهؤلاء حتى يتسنى للبنك المركزي تطهير عائدات البلاد من أموال مجهولة المصدر. وتم سنة 2007 بموجب قانون 41 قبول هذه العملات في حسابات تسمى "حسابات خاصة" بالدينار قابل للتحويل. زد على ذلك، إن إدارة البنك المركزي تحرر المصرح من دفع الضرائب وخطايا التأخير وأي تتبع عدلي عند التصريح وعند دفع مبلغ مالي بقيمة 5 بالمائة من هذه المكاسب
.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

L'Europe est beaucoup plus qu'un territoire géographique

Mohamed Mejri, de Lampedusa au yacht de Tarak Ben Ammar